الجمعة، 29 فبراير 2008

قصة "فتاة الثقاب الصغيرة"

بسم الله الرحمن الرحيم
في ليلة رأس السنة الجديدة، كانت هناك فتاة صغيرة تهيم في الشوارع المظلمة حافية القدمين و هي تشعر بالجوع و البرد. كانت الفتاة تحمل مجموعة من علب الثقاب، و لكن لم يكن أحد قد اشترى منها شيئاً في هذا اليوم. و لم يكن أحد قد أعطاها حتى قرشاً واحداً.
أخذت الثلوج تتساقط و تستقر فوق شعرها الأصفر الطويل المموج. و كانت الأنوار تتلألأ في كل مكان من خلال نوافذ المدينة؛ و كانت رائحة الأوز المشوي تفوح من كل مكان و تملأ هواء الليل.
جلست الفتاة في ركن ضيق بين منزلين و هي تحتضن ركبتيها، و لكنها لم تستطع أن تدفئ نفسها. لم تجرؤ الفتاة الصغيرة على العودة إلى منزلها. كانت تعرف أن والدها سوف يضربها بالتأكيد لأنها لم تكن قد كسبت قرشاً واحداً. كما أن بيتها كان بارداً تماماً مثل برد الشارع.
كانت يداها شبه متجمدة. ربما لو أشعلت ثقاباً لشعرت ببعض الدفء. أخرجت عوداً و حكته في الجدار و أشعلته فمنحها ضوءاً لامعاً دافئاً مثل الشمعة الصغيرة فقربت يديها منه. كان ضوءاً جميلاً.
تخيلت الفتاة الصغيرة و كأنها تجلس أمام مدفأة كبيرة مصنوعة من الحديد تشتعل النيران بداخلها حتى أنها مدت قدميها لتدفئهما أيضاُ.
و لكن للأسف؛ انطفأت الشمعة فعادت الفتاة لتشعر بالبرودة و التعب. أشعلت الفتاة عود ثقاب آخر، و كلما انعكس ضوء الثقاب؛ زاد جدار المنزل شفافية، حتى أن الفتاة كانت ترى ما يجري داخل المنزل.
رأت الفتاة المائدة معدة و مغطاة بمفرش أبيض فاخر و عليها أطباق جميلة. في أحد طرفي المائدة؛ كانت هناك أوزة مشوية يخرج منها الدخان و مزينة بقطع التفاح و الخوخ. رأت الفتاة الصغيرة الأوزة و هي تقفز من فوق المائدة و تسير ببطء إلى أن وقفت أمامها.
ثم احترق عود الثقاب ثانية فلم تر أمامها غير الجدار السميك الصلب.
في هذه المرة تحت شجرة جميلة. كانت هناك آلاف الشموع الصغيرة تتلألأ فوق الأغصان، و كانت هناك أشكال ملونة صغيرة تطل عليها من أعلى.
مدت الفتاة يديها، و بينما كادت تلمس هذه الأشياء الصغيرة الجميلة؛ انطفأت الشعلة. و لكن الشموع بقيت مشتعلة و أخذت تعلو و تعلو إلى أن استقرت و كأنها نجوم في السماء. سقطت إحدى النجمات؛ و أخذ الضوء يجري خلفها و كأنها قصة خيالية.
"الآن شخص ما يموت"، قالت الفتاة الصغيرة ذلك في صوت رقيق، لأن جدتها التي ماتت – و هي الشخص الوحيد الذي كان يحبها و يعاملها معاملة طيبة – كانت قد أخبرتها بأنه عندما تسقط نجمة من السماء فهذا يعني أن هناك روحاً تصعد إلى الله. حكّت الفتاة عود ثقاب رابع في الجدار فأخذ نور الثقاب يتلألأ ليضيء كل ما حولها حتى أنها رأت جدتها رقيقة و محبة كما كانت دائماً، و لكن جدتها كانت أكثر إشراقاً و سعادة عن أي وقت مضى في حياتها.
بكت الفتاة الصغيرة و قالت: "آه يا جدتي! خذيني معك! أعلم أنك ستتركيني بمجرد أن ينطفئ عود الثقاب".
"سوف تختفين مثل نار المدفأة و المائدة و الشجرة الجميلة". ثم أشعلت بسرعة كل أعواد الثقاب التي كانت تحملها. أخذت أعواد الثقاب تشتعل مثل نور الصباح. صحبت الجدة الحبيبة الفتاة الصغيرة من ذراعيها و طار الإثتان معاً؛ إلى أن وصلا إلى مكان لا يعرف الجوع أو البرد أو الألم. و في الصباح؛ و في ضوء الفجر البارد الشاحب؛ وُجدت الفتاة المسكينة ملتفة حول نفسها و قد تجمدت من شدة البرد.
كانت أعواد الثقاب التي أشعلتها ملقاة بجوارها. قال أحد المارة: "لقد كانت المسكينة تحاول أن تدفئ نفسها". و لكن لم يكن أحد يعرف الأحلام و الرؤى الجميلة التي رأتها الفتاة أو كيف أنها كانت تحتفل بسعادة غامرة مع جدتها في مكان لا يعرف الألم.
انتهت ..
تحيتي الدائمة / دم المسيح
في أمان الله وحفظه

ليست هناك تعليقات: